ابن خلدون Admin
عدد المساهمات : 48 تاريخ التسجيل : 05/03/2011
| موضوع: مقال: الاتجاه الاسلامي في السياق التاريخي للمشروع الاصلاحي: الشيخ راشد الغنوشي الأربعاء أغسطس 24, 2011 4:55 pm | |
| الاتجاه الاسلامي في السياق التاريخي للمشروع الاصلاحي الشيخ راشد الغنوشي
توطئة: لئن كان الاسلام باعتباره كلمة الله الأخيرة ثابتا في أصوله ثبات قوانين الطبيعة فإن من شروط قدرته على استمرار أدائه لرسالته في توجيه وقيادة حياة البشر أن يظل في تفاعل دائم مع الزمان والمكان، مع أحوال أهله، مهما اختلفت وتبدلت تقدما أو تأخرا نصرا أو هزيمة تبدّيا أم تحضرا، تفاعلا متميزا خاصا بكل حال من أحوال قوم معينين بما يكون معه وكأنه إنما نزل لتوه من أجل تقديم العلاج الخاص بأدوائهم وهدايتهم في ليل حيرتهم. وسبيل هذا التنزل الخاص الضروري لاستمرار فعالية الثابت في المتطور وحفظ الدين من العزلة والتهمّش أو التلاعب به من قبل أهل الأهواء، وكذلك حفظ الحياة من الجمود أو الانفلات والتسيب أو فشو الظلم والطغيان، سبيل ذلك هو التفكر المتواصل في الوحي في ضوء الأحوال والمعارف المستجدة في حياة البشر وذلك هو الاجتهاد بمعناه الاسلامي المنتج للتجديد في الدين وفي الحياة بما يضمن تفاعلهما وارتقاءهما وتواصلهما الخصيب الدائم. وانما التحضر في مفهومه الإسلامي هو هذا التواصل الرشيد المتجدد بين الدين والحياة بين الثابت والمتطور، بما يصنع لكل زمن ولكل مكان تدينه وليس دينه أي اجتهاده الاسلامي الخاص به، بينما الانحطاط في مفهومه الاسلامي هو ترهل هذا التواصل والتفاعل سواء أكان ذلك جمودا على صور قديمة من التدين فقدت أساسها الاجتماعي الذي أنتجها، فتحول الدين من منهج في العدل وتكريم الانسان والتحرر من الظلم الى طقوس فارغة لا دور لها غير تخدير الناس وصرفهم عن مجاهدة الظلمة والطغاة، فكان الواجب التحرر منها عودا الى منبع الحقيقة في الوحي من أجل إدارة حوار مستأنف بينها وبين الواقع المستجد بحثا عن معادلة جديدة، تؤسس مجددا للعدل ومقاومة الظلم، أم كان انفلاتا بالجملة من ربقة الدين بزعم إعاقته لحركة التطور -وهو ما توهّمه وفعله العلمانيون في بلاد الاسلام كبورقيبة وأتاتورك ممن اتهموا الدين بالجمود فاستهدفوه باعتباره عائقا في وجه التطور، وهم في الحقيقة قد خلطوا بين الدين في أصوله وبين التاريخ أي التراث، وذلك عائد إما لبضاعتهم الدينية المزجاة أو لإملاءات القوى المهيمنة عليهم. وما الحركة الاسلامية في أهم مقوم لها إلا هذا التجديد للدين وإعادة الوصل بينه بين مجرى الحياة المتدفق فكرا وثقافة ومع مختلف مجالات النشاط الانساني. وهذا الوصل الوثيق هو شرط تجدد الدين وقيادته للحياة كما هو شرط استمرار تطور الحياة وارتقائها في الإتجاه السوي: الإتجاه الذي أراده الله من خلق الانسان وابتعاث الرسل: عبادة الله الواحد الأحد وفق شريعته وعمارة الأرض وفق منهاجه في إقامة العدل وجهاد الظلم والظالمين، ما من شأنه أن ينمي الحياة ويرتقي بها ويحقق التوازنات الدقيقة في شخصية الانسان ومع محيطه: بين الجوانب المادية والروحية والعقلية والاجتماعية والبيئية، بما يؤهله لأداء وظيفة الخلافة عن الله في رعاية الكون والحياة وتطويرهما، ابتغاء الفوز بمرضاة خالقه. والحدير بالتنبيه هنا أن الإحاطة بتلك التوازنات هو مما تعجز عنه ملكات الانسان. ومن ثمرة تلك الإحاطة الفوز بسعادة الدنيا: قياما للقسط في الأرض وعمارة لها وفق المنهج الإلهي وتأهّلا للخلود في جنات النعيم.
2- الأسباب الحقيقية وراء تدهور مكانة المسلمين: ولقد دخلت أخلال حقيقية على توازنات نظام الاسلام لأسباب داخلية في المجتمع الاسلامي أهمها تعطل نظام الشورى وسيادة حكام الجور-بتأثير مواريث الجاهلية والروح الأمبراطورية السائدة في العصر- وأخرى خارجية أهمها التأثير المدمر للإعصار المغولي على الفكر والسياسة في دار الاسلام، بما رسخ التجزئة وحسم لصالح التصوف والطريقة مهربا وملجأ، ثم ما أعقبه من الإعصار الإفرنجي. ولأن طبيعتهما كانت مادية سياسية، إذ لم يكن الغزاة هولاء وأولئك يحملون غير الغلظة والتوحش والشره فقد أمكن ردهما واحتواؤهما من طرف حضارة لا تزال متفوقة في فكرها وخلقها رغم ما أوهى الترف والاستبداد والجبر من عضدها، إلا أنه في مقابل عودة عالم الاسلام الى نوم اطمئنانه الزائف إلى تفوقه، فقد أسهمت هزيمة الإفرنج في إيقاظهم مستفيدين من مشاهداتهم في دار الاسلام في مجالات الحضارة والفكر والتنظيم كما أفاد الإفرنج مما تتوفر عليه أرضهم من مواد طبيعية كالغابات مما لا يتوفر في أرض الاسلام لبناء السفن العملاقة القادرة على اختراق البحار الكبرى العاتية[i]، مستفيدين من الخبرة الاسلامية الأندلسية في علوم البحار، الأمر الذي مكنهم من اكتشاف طرق بحرية جديدة أفضت الى اكتشافات بحرية نوعية وسّعت من ساحات وقدرات تحركهم فأحدثت في ميزان القوة خللا هائلا بين عالم الاسلام والفرنجة، فما تفطن أهل الاسلام إلا والفرنجة تحاصر أرضهم وتقطع عليهم سيطرتهم البحرية وتسبقهم الى وضع اليد على عوالم جديدة (الأمريكيتين واستراليا ونيوزيلاندا) وتغري بارتيادها المغامرين والمجرمين للتخفف منهم متخذة من تلك القارات البكر موردا لا ينفد لتكديس ثروات ضخمة اعتمدتها أساسا لبناء الرأسمالية والمجتمع الصناعي وإرساء بنية تحتية في المستوين العسكري والمدني أمكن معها التوصّل بين القوى الغربية النافذة الى وفاقات لتقاسم الثروات في البلاد المستعمرة بما حدّ في النهاية من دوافع التحارب بينها، كما مكّن فيض الثروات المجلوبة من إقامة وفاقات مرضية بين طبقات كل مجتمع، حصل فيها الجميع على ترضيات مناسبة، فكان النظام الديمقراطي والفكر الديمقراطي ثمرة لتلك الوفاقات والترضيات المموّلة من التفوق العسكري الغربي واختلال ميزان القوة لصالحه، ما أسهم بدوره في إحداث المزيد من الإختلال في التوازنات الدولية بين بلاد الاسلام والغرب أتاحت الفرصة التاريخية في وجه هذا الأخير لفرض هيمنته مجددا على بلاد الاسلام بل على العالم. ولكنها هيمنة من نوع جديد تختلف عن سابقتها في العصر الوسيط إذ هي هذه المرة هيمنة شاملة تتجاوز السيطرة المادية الى السيطرة الفكرية والنفسية والاقتصادية. حدث كل ذلك في القرن التاسع عشر وتواصل في القرن العشرين الذي كان قرن الهيمنة الغربية كسابقه لكنه كان في النصف الثاني منه قرن التحرر منها. وذلك ثمرة لليقظة الاسلامية التي أثمرها المشروع الإصلاحي الإسلامي.
3-جذور الإصلاح في البنية الإسلامية: انطلقت بدايات الإصلاح منذ القرن الثامن عشر في قلب الجزيرة العربية وفي شبه القارة الهندية بعيدا عن كل تأثير أجنبي، بل إن الإحتلال الغربي اللاهث وراء الثروة والسيطرة إنما عمل ويعمل على إجهاض كل مشاريع النهوض التي انطلقت من داخل البنية الاسلامية، تأبيدا لسيطرته. ففي العشرينات من القرن الثامن عشر كانت قد بقيت حلقة في سلسلة رقيقة ولكنهالم تنقطع، لعلها كانت يتيمة على امتداد عالم الاسلام- حلقة بالحرم النبوي لتدريس أصول الإسلام على نهج شيخ الإسلام ابن تيمية الذي كانت موجة الانحطاط العاتية التي استهدفها قد غلبته على أمره فطوته وقضى نحبه سجين معادلة الانحطاط: الجبر في الاعتقاد والسياسة والتقليد في الفقه والطريقة والأغنوص في التصوف والتربية. خيط رقيق من فكر المصلح الكبير ظل ممتدا عبر حلقة المسجد النبوي التي كان يشرف عليها علامة من أصل هندي هو الشيخ محمد حياة السرهندي الذي اختص في تدريس مادة الحديث وفكر ابن تيمية معتمدا منهاجا أصوليا في تدريس علوم الدين ورد الفروع الى أصولها في الكتاب والسنة بما فتح كوّة في جدار الانحطاط أطل منها عالم الاسلام مجددا على الزمان والمكان فأخذ يستعيد الاتصال المفقود بين واقع المسلمين ومنابع دينهم ومنطلق حضارتهم ويرسي دعائم لإحياء الإجتهاد والتمهيد لفتح أبوابه التي غلّقها الانحطاط بما ساد من التقليد للمذاهب المستقرة التي غدا كل واحد منها بحد ذاته دينا مغلقا على نفسه يحمل صفة الحقيقة المطلقة المتعالية على الزمان والمكان يمارس ممثلوه سلطانا لا يرد على جزء من دار الإسلام بعيدا عن منابع الدين في الكتاب والسنة التي اغتربت عنها مناهج التعليم الديني وأحكام القضاء والفتيا، فلا تتناول إلا على سبيل التلاوة للتبرك، وليس باعتبارها المرجع الضروري عند النظر في كل ما يستجد من مشكلات، بما جعل همّ العلماء لايعدو عملية الشروح اللفظية لكتب المذهب أو اختصارها، حتى غدا التقليد في الفقه والجبر في العقيدة والطريقة في التربية والجور في السياسة أركان معادلة الانحطاط. ولعل تلك الحلقة الأصولية التي كشف عنها البحث التاريخي كانت يتيمة يومئذ في دار الإسلام[ii] حتى أنه بعدها بأكثر من نصف قرن تم اقتياد ثلة من طلبة علوم الدين في دمشق عنّ لهم أن يجتمعوا أسبوعيا على مدارسة صحيح البخاري، الى المفتي بتهمة ممارسة الإجتهاد، فلما تبين أن الأمر لم يصل الى ذلك الحد نصحهم المفتي بأن يبتعدوا عن الشبهات فيدرسوا بدل كتب الحديث كتب مذاهب الفقه وفروعه[iii]. لقد تخرج من بين الثلة القليلة المرتادة لحلقة العلامة الهندي في المسجد النبوي شابّان عبقريان سقيا بذرة الإصلاح التي غرسها ابن تيمية وابن خلدون وعلاها ركام الانحطاط[iv]. وكان أحد الشابين قد قدم من قلب جزيرة العرب في أرض نجد، واشتهر أمره فيما بعد وهو المصلح الكبير محمد ابن عبد الوهاب أول من أذّن بفجر النهضة بعد ليل طويل من الانحطاط. والثاني قدم من شبه جزيرة الهند التي كانت لوقت غير بعيد من أعظم حواضر الاسلام، ذاع صيته هو العلامة شاه ولي الله الدهلوي الذي أذّن بفجر النهضة والاصلاح في شبه القارة الهندية. انطلق كل منهما من موقعه يدعو المسلمين الى خلع رداء التقليد والتطهر من البدع والعود بالدين الى أصوله وإحياء الإجتهاد وممارسته سبيلا لبعث الحياة في موات المسلمين فكريا وسياسيا وحضاريا، فكان ذلك منطلقا للتجديد في الفقه ومناهج التعليم عودا الى الأصول وتحريضا على إصلاح الحكم ومناهجه حتى يكون الحكام مجرد أدوات تنفيذ تعمل تحت إشراف العالم وتنتضي السيف للجهاد ضد حالة التجزئة والتشرذم إحياء لفريضة وحدة الأمة ومواجهة أعدائها المتربصين. راسلا الملوك والأمراء والعلماء أسوة بصاحب الدعوة عليه السلام: عارضين عليهم مشروع التجديد، باحثين عن تحالفات مع سياسيين لوضع المشروع موضع التنفيذ. ورغم ما ووجه به مشروع الإصلاح من عقبات من طرف حماة التقليد والجمود والجور فقد أمكن لمفتاح الإصلاح أن يفكّ عن عقل المسلم كثيرا من الأغلال ويرفع عنه كثيرا من الحجب فاتحا الطريق أمامه لاعادة التواصل المفقود بين منابع الدين في الكتاب والسنة وبين الواقع الجديد بمشكلاته وعلومه.
4-محفزات النهوض في الإسلام والعائق الغربي: مشروعان للتحديث لقد دشن القرن الموالي (التاسع عشر) بغزو غربي لقلب الشرق " مصر" وكانت مصر يومئذ تتحفز للنهوض[v]. وتتالت غزوات الغرب لدار الإسلام طوال القرن القرن 19 كما تتالت في الوقت ذاته محاولات الاصلاح من أجل تمتين الجبهة الداخلية وتحصينها ضد الغزاة، غير أن الغزاة لم يكتفوا هذه المرة بالسيطرة على الأرض بل عملوا ما وسعهم على أن يجهضوا في المهد محاولات الإصلاح التي بدأت تنطلق في بعض أقطار الاسلام في مصر وحاضرة الخلافة وفي تونس مستعينين على ذلك بفساد الحاكم وحاشيته، لا سيما مع نخبوية مشروع الإصلاح وعدم تحوله الى تيار شعبي واسع، وبما شاب المشروع من شبهات التأثر بالأجنبي. لقد أجهض الاحتلال محاولة جادة للنهوض والتحديث الذاتي على أرضية الإسلام ولمصلحة أهله بما فتح الطريق أمام "تحديث" على أرضية فكر الغزاة وعلى أعينهم ولمصلحة ترسيخ وتأبيد استلحاق عالم الإسلام بالمحتل الذي أفاد ممن ربّى على يده من تلاميذ، سيتولون انجاز ما عجز عنه من أهداف في تهميش الاسلام باعتباره محور الإجتماع الإسلامي بما سيرسخ التجزئة داخل دار الإسلام ويوسع الهوة بين نخبة الحكم المتغربة وبين جمهور الناس الذي لا يزال محتميا من لفحات التغريب بالإسلام وحركاته، الأمر الذي سيجعل من الدكتاتورية الأسلوب الوحيد المرشح للحكم ويجعل من نخبة الحكم أكثر تمثيلا للإرادة الغربية ومصالحها منها للإرادة الشعبية والمصالح الوطنية .. بما جعل التغريب والدكتاتورية وجهين لعملة واحدة والإقتران بينهما حتما لازبا.
5-أغصان من الشجرة لحرقها كلها: لقد تمكن الغزو العسكري الغربي هذه المرة من انتزاع أغصان من الشجرة لاستخدامها في حرق الشجرة كلها من خلال تأسيس نظام تعليمي غربي مواز ومزاحم بل على أنقاض نظام التعليم الأهلي، لتنشئة نخبة جديدة، سرعان ما تمكنت من اختراق حركة الجهاد التي أثمرها الإصلاح الإسلامي مستفيدة من تواضع حجم التجديد الحاصل في الإسلام الذي بدأ إصلاحا عقديا يحرر عقيدة التوحيد من الخرافة والأغنوص ليتركز بعد ذلك حول إحياء الجهاد وتعبئة الأمة ذودا عن دار الإسلام وطردا للمحتل، ثم امتد للردّ على شبهات أعداء الإسلام الذين رموه بأنه علة تخلف المسلمين، ولكن من دون الوصول الى مستوى بلورة المشروع الاسلامي الحضاري المتميز عن المشروع الغربي، وهو ما أتاح الفرصة أمام النخبة المتغربة لممارسة الازدواجية وخداع الجماهير، حتى إذا تمكنت سارعت الى استهداف الاسلام ومؤسساته ورجاله مستخدمة جهاز الدولة أداة سيطرة على المجتمع وتفكيك بنيته الأهلية المتماسكة التي طالما حفظت الأفراد في مواجهة فساد الحاكم ودافعت عن الأمة في مواجهة الغزاة، وهو ما جعل من نخبة الحكم المتغربة المغتربة من جهة علاقتها "بالسكان الأصليين" شبيهة -في قطاع منها- بالنخبة البيضاء في جنوب افريقيا، مقابل ازدياد ولائها للأجنبي وسرعة استجابتها لضغوطه ومطالبه، الأمر الذي أحبط كل مسعى لدمقرطة للحكم في عالم الاسلام تردم الهوة بين الحاكم والمحكوم بسبب اغتراب تلك النخبة وانفصالها عن جماهير الناس وشدة ارتباطها بالأجنبي مصدرا أساسيا لشرعيتها واستدامة سلطتها، كما جعل كل مسعى في هذا الإتجاه تبعا لذلك ليس فيما يبدو مصلحة للغرب، تقديرا منه أن مرور مصالحه عبر الإرادة الشعبية ليس أضمن وأسرع طريق لتحققها. ورغم أن إعادة الإتصال بين الأمة ومنابع الوحي هو الذي ولّد في الأمة أقدارا من الحيوية وحرر أقدارا من الطاقة وإمكانات للإجتهاد ساعدت على إعادة الاتصال بالواقع وإدارة الحوار بين الاسلام والحداثة في اتجاه استيعابها على شرط الاسلام، كما فجرت تحت أقدام المحتلين براكين لا تخمد من الثورة والجهاد،لم يجدوا إزاءها بعد أن جربوا كل أسلحتهم وتقنياتهم المتطورة سبيلا غير الرحيل، (ولن يكون بإذن الله عز وجل مصير المناطق القليلة المتبقية تحت الاحتلال الغربي في فلسطين وكشمير والشيشان..غير نفس مصير دار الاسلام التي دخل عليها القرن العشرون وهي تحت الاحتلال فما انقضى إلا وقد انجلت جحافله) ومع ذلك فلم يكن الاسلام هو البديل لأسباب بعضها يعود الى نقص في نضج المشروع الاسلامي الذي لا زال محكوما بردود الانفعال رفضا للغرب أو انبهارا به، وأغلبها يعود الى ميلان ميزان القوة لصالح قوى الخارج التي ولئن رحلت أجسادها العسكرية والإدارية فقد استمرت العقول والثقافة والمصالح حيث هي بل قد تعززت على يد أبناء البلد الذين استلبت عقولهم. 5اغتراب الثقافة والحكم عن الجماهير المسلمة وفشل المشروع التنموي كان من النتائج المحتمة لمشروع التغريب سيادة الحكم الدكتاتوري ثمرة لحالة الاغتراب بين نخبة الحكم التي وكّل لها مصير دار الإسلام بعد أن تم تجزئتها وبين جماهير الناس كما أدى ذلك بالنتيجة الى فشل ذريع للمشروع الوطني التنموي بخلفيته العلمانية التغريبية التي جعلت الخطاب السياسي ومناهج التثقيف وحياة النخبة في واد وجماهير الناس في واد آخر فكأنها كانت تناديها من مكان بعيد أو بلغة غريبة لا يصلها منها غير الصوت. فكان الفشل في كل ما وعدت به سواء أكان ذلك في تحقيق التنمية أم كان في الديمقراطية أم كان في تحرير فلسطين أم كان في تحقيق الوحدة أم كان حتى في حماية الهوية. وخيبة الأمل هذه في المشروع التنموي في كل أبعاده خلّف وراءه خيبة أمل واسعة أفرزت أجيالا متتابعة من المعارضات السياسية والاجتماعية بخلفيات إيديولوجية علمانية مختلفة ذات اليمين وذات الشمال .
6-المجتمع يشهر أمضى أسلحته: ولأن جميع المعارضات التي تتابعت على مسرح المقاومةلم تصل الى العمق الشعبي فإنهالم تجد نفعا لا في الحد من تغوّل الدولة على المجتمع ولا في الحد من تذيلها للخارج وتفريطها في المصالح الكبرى للوطن فقد انتضى المجتمع أمضى أسلحته لائذا بالاسلام حصنه الأخير[vi] فكانت الحركة الاسلامية المعاصرة امتدادا طبيعيا للحركة الاصلاحية في القرنين الثامن والتاسع عشر واستئنافا لمشروعها المجهض الذي انحرف به التغريبيون وعودا بالإسلام الى مركز القيادة الروحية والفكرية والثقافية مرجعية عليا للتصورات والقيم وذلك على يد أجيال إصلاحية جديدة أكثر من سالفاتها معاصرة أي استيعابا لحضارة المتغلب من دون استعلاء جامح ولا استخذاء متهالك، تعمل على تحقيق تفاعل أرشد للإسلام مع الحداثة استيعابا وتوظيفا لها في خدمته. إن اندلاع ثورة الاسلام في إيران وتقويضها لأعتى امبراطورية في المنطقة متذيلة للهيمنة الامريكية ورد الإجتياح الشيوعي على أعقابه في افغانستان وتفجير انتفاضة الأقصى المبارك التي هزت في العمق الدولة الأحدث والأقوى تسليحا والمدعومة من كل قوى الهيمنة في العالم لدرجة الشك في الوجود ذاته، وكذلك الانتصارالمدوي للمقاومة الاسلامية في لبنان على الجيش الذي قيل عنه أنه لا يقهر فضلا عما تشهده صحوة الاسلام من امتداد عالمي على أنقاض المذاهب العلمانية التي شغلت الساحة خلال ثلاثة أرباع القرن الماضي ودفعها نحو العزلة الشعبية غير تاركة لها مصدرا لشرعية استمرارها غير سواعد الأمن والظهير الخارجي بينما حركة الإسلام تزحف الى قلوب الناس وتضع نفسها في خدمتهم اجتماعيا عبر مؤسسات المجتمع المدني، إضافة الى ذلك كمّ معتبر من الإنجازات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية: على صعيد المشاركة البرلمانية وفي مجال الخدمات الاجتماعية كأنشط قوى المجتمع المدني وفي مجال استنقاذ الشباب خاصة من براثن التغرب والتفسخ ورياح العولمة، حتى أن معظم شباب الأمة الفاعل هم اليوم في الحركة الإسلامية: فتية وفتيات.. وحتى ظاهرة امتلاء السجون بعشرات الآلاف من مناضلي الحركة الإسلامية يشهد لهذه الحقيقة ولا ينال منها، فمنذ حل الاحتلال بديارنا ومثل التحدي الأعظم هو ثمّ أذنابه ظلت مقاومتهم مصدر الشرعية ومصدر السلطة. ومن ذلك فإن شعبية أي حركة منذ ابتليت الأمة بالصهاينة مثلا تقاس بمدى بلاء تلك الحركة في مقاومتهم. وهذه الراية بعد إن وهن ساعد العلمانيين أو جلهم هي اليوم قد عادت للإسلام ودعاته..كل ذلك وغيره يشهد على عمق فكرة الإصلاح الإسلامي وأثرها في الأمة، بما جعل من حركة الإسلام القوة الإجتماعية الرئيسية والممثل الأبرز والضامن الأهم للجماعة الوطنية وللإجماع الوطني[vii] مقابل انبتات مذاهب العلمنة وإفلاس المشاريع التنموية التي تأسست عليها. بل إن قوة هبوب الرياح في اتجاه الإسلام رغم انخرام موازين القوة لصالح الأعداء يشهد عليها أيضا تنامي وتسارع عودة المثقفين الماركسيين واللبراليين الى الإسلام سواء أكانوا مهتدين جددا أم كانوا من أصول إسلامية أوقعها الأسر الثقافي في قبضة العدو لكنها بعد تجارب مريرة تخلصت منه عائدة الى ربها، متحررة من كل ما شحنت به أذهانها من صور زائفة عن الاسلام أنه قرين التخلف والجمود والانحطاط واضطهاد النساء، ومن مثل براقة عن جلال وجمال وتفوق فكر الأنوار، وذلك بعيدا عن سياساته التدميرية الإستغلالية الثابتة لكل شعوب الأرض لمصلحة 5% من سكان الأرض.
7-تسارع حركة اكتشاف الإسلام : الثابت أن حركة اكتشاف الإسلام سواء أكان ذلك من طرف ثلة متميزة من أحرار الغرب وكبار عقوله أم كان من طرف أبناء الإسلام ضحايا الغزو الفكري لا سيما لدى مناضلي اليسار الذين يتسع الإقتناع في أوساطهم بعد سقوط النموذج الشيوعي أن أجدر المعسكرات القادرة بل القائمة على مواصلة التصدي للهيمنة الأمبريالية على العالم هو معسكر الحركة الاسلامية دفاعا عن قيمة العدل وهي جوهر المثل الماركسي، بينما حوّل لفيف واسع من مناضلي الماركسية بالأمس رحلهم في اتجاه الإلتحاق بالصف الأمبريالي والإنضواء تحت لوائه لمقاتلة الإسلام والإسلاميين وكأن جوهر الماركسية ليس الإجتماعي أي العدل ومواجهة الهيمنة الرأسمالية وإنما هو الفلسفي بمضمونه الإلحادي، فأعماهم الحقد على الإسلام والعداوة لله ولدعاته أن يروا حقائق الأمور بغير تلوين. إن حركة اكتشاف الإسلام والإنضواء تحت لوائه والسير في طريقه باعتباره الأسرع الى تحقيق مثل العدالة والمساواة والكرامة البشرية وضمان التعددية وحقوق الإنسان وحوار الحضارات وتعاونها بدل الرهان على الحرب والتغالب والسيطرة تبدو مسارا تاريخيا بل حركة كونية تدل مؤشرات الواقع على تناميها السريع تحت وطأة الضغوط النفسية والسياسية التي يمارسها الغرب على النخبة التابعة له لضمان استلحاقها وتحويلها الى موقع الخيانة والعمالة وهو ما رفضه ويرفضه "فضلاء العلمانيين" حسب تعبير أخينا الشيخ عبد السلام ياسين. مؤشرات كثيرة تدل على حصول مراجعات جادة في اتجاه اكتشاف انسانية الإسلام وتحرريته وعدالته الكونية، وذلك لدى الأوساط القومية واليسارية والعلمانية وحتى على الصعيد الغربي. وليست ولادة منظمة المؤتمر القومي الاسلامي ومؤسسة "حلقة الأصالة والتقدم"[viii] وتلاقي قوى النضال الفلسطيني واللبناني العلمانية والإسلامية والتقارب الحاصل والمتنامي بينها في تونس وفي مصر..إلا بعض عناوين لتطور المشروع الإصلاحي الإسلامي في اتجاه استيعاب الإسلام للعصر ومشكلاته عبر تفعيل نشط جريء لآلية الإجتهاد والبحث الناصب عن إعادة بناء الجماعة الوطنية والإجماع الوطني. 8-تيار الوسطية الإسلامية الهادر يهمش تيارات التطرف: ولا ينفي هذا التطور في المجرى العام للتيار الإسلامي في اتجاه التفاعل الرشيد مع مشكلات الأمة والعصرعلى أرضية الوسطية الإسلامية كما عبر عنها رموز الاسلام المعاصر مثل العلامة المرحوم محمد الغزالي والعلامة يوسف القرضاوي، استمرار فصائل في الحركة الإسلامية تمتح من التاريخ وتتسمر عند بعض اجتهادات بعضها كان صالحا لعصره وانقضت مدة صلاحيته وبعضها كان كارثيا حتى في عصره مثل تراث الخوارج الموغل في تكفير مخالفيه واتخاذ العنف سبيلا للحوار لفرض ما يعتبره دينا وهو مجرد اجتهاد. ويمكن رد الكوارث التي حاقت بالاسلام المعاصر وبكثير من البلاد التي فشت فيها هذه المجموعات المتشددة النادّة عن المجرى العام للوسطية الإسلامية الذي تبحر فيه الحركة الإسلامية عامة يمكن رد شطر من المسوؤلية على تلك الكوارث التي حصلت في افغانستان والجزائر ومصر الى أنظمة العلمنة المتحكمة في رقاب الناس والمكممة لأفواههم بسبب ما وفره انغلاقها وإقصاؤها للتيار الوسطي، من مناخات ملائمة لإعادة إنتاج تلك المجموعات وتكاثرها. فلقد ظلت المسيرات المليونية تمل أالساحات خلال ربيع الديمقراطية في الجزائر بقيادة الجبهة الإسلامية من دون دماء ولا اعتقالات، حتى جاء القرار الإجرامي قرار الدوس على صناديق الإقتراع بزعم حماية الحداثة وكان ذلك بتشجيع من وارثي تراث الأنوار والتحديث.. فكانت الكارثة المستمرة..
9-مشروع الإصلاح الإسلامي في تونس: تعتبر تونس أحد أبرز حقول الإصلاح القليلة في العالم الإسلامي منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر. وكان مشروع الإصلاح كما عبرت عنه وثيقة أقوم المسالك، أو كتابات الشيخ بيرم الخامس ومحمد السنوسي والشيخ سالم بوحاجب ومن بعدهم الشيخ عبد العزيز الثعالبي والشيخ الخضر حسين والشيخان ابن عاشور والشيخ عبد العزيز جعيط والشيخ محمد صالح النيفر.. أو كما جسدته مشاريع الإصلاح الدستوري أو الإصلاح التعليمي مثل مشروع الصادقية والخلدونية وإصلاح جامع الزيتونة أو تأسيس الحركة النقابية وحزب الدستور -قبل مسخه- واالاتحاد النسائي الإسلامي التونسي على يد السيدة بشيرة ابن مراد ومدرسة البنت المسلمة على يد الشيخ محمد الصالح النيفر، وجمعية صوت الطالب الزيتوني وغيرها عبرت كلها وغيرها عن استراتيجيا واحدة تتلخص في: الوعي بالخطر الغربي الداهم بما حقق من سبق حضاري كاسح بالقياس لتخلفنا وأن السبيل الوحيد للنجاة إنما يتمثل في فكرة الإصلاح: من خلال وضع حد لحكم الفرد وإحلال نظام الشورى محله وتطوير إدارة الدولة ونظام الانتاج ونظام التعليم بما يستوعب العلوم والتقنيات الغربية، مع تجديد وتأكيد الثقة في الإسلام أنه المعين القيمي والفلسفي الذي يستمد منه مشروع الإصلاح في كل أبعاده موجهاته القيمية، بل إن المشروع كله إنما هو في خدمة الإسلام وأمته. ولذلك جمع المشروع الإصلاحي فطاحل المشايخ الى زعماء السياسة وأرباب الإدارة، ولم يسجل التاريخ إشارة واحدة صدرت عن عضو في الفريق الإصلاحي تشكك من قريب أو بعيد أو ترتاب في مدى تواؤم الإصلاح مع الإسلام فقد كان هذا التواؤم من مسلمات المشروع وأهم وأعمق أسسه. تشهد على ذلك كل وثائق الإصلاح ومنها: أقوم المسالك أو نص القرار الإداري المؤسس للمدرسة الصادقية الذي يؤكد أن الهدف من تدريس العلوم ترسيخ ثقة التلاميذ في الإسلام ومحبتهم لرسوله[ix]. غير أن مشروع الإصلاح في إطار الذاتية التونسية قد انهار لأسباب كثيرة أقلها يعود الى فساد الباي وحاشيته ثم إلى نخبوية الفكرة الإصلاحية وعدم تحولها الى تيار شعبي. وأغلبها يعود الى الميلان الفاضح لميزان القوة لصالح القوى الغربية عدوة الإصلاح وتدخلها سرا وعلنا لإفشال المشروع الإصلاحي أي التحديث على أسس الإسلام. وجاء الإحتلال الفرنسي بإيديولجيته اليعقوبية المعروفة بتطرفها اللائكي وموقفها العدائي من الدين وتعويلها على جهاز الدولة في تفكيك المجتمع القديم مؤسسات وقيما من أحل إفساح المجال أمام دمج المجتمع التونسي في القالب الفرنسي ومسخ هويته وتفكيك مؤسساته من أجل تيسير استلحاقه. ورغم أن مشروع الإصلاح على أساس الإسلام وفي خدمته تواصل كما ذكرنا إلا أن عائق الإحتلال ظل له بالمرصاد يسد أمامه السبل دافعا الاسلام ومؤسساته دفعا الى الجمود على الماضي متحفا للتاريخ، أو هامشا من هوامش الحداثة الفرنسية إذا لم يكن من الأمر بد، وذلك مقابل التأسيس والتشجيع لمشروع التحديث البديل واستخدام جهاز الدولة لفرضه أمرا واقعا من دون انتظار لتطور قناعات الناس، فالدولة في النموذج اليعقوبي تصنع إرادة الشعب أولا ثم تعبر عنها. وهو النموذج الذي سيرثه الإستقلال، بعد أن استيقن المحتل من جدية المقاومة واندلاع البركان الجزائري، وبعد نجاح بورقيبة في اقناع المحتل وإغرائه بصفقة الإستقلال لا سيما بعد تفجر الخلاف داخل الحزب مع ابن يوسف رحمه الله والتفاف القوى التقليدية حوله مثل جامع الزيتونة وانحيازه الى عمق الأمة في المشرق العربي، فكان الإستقلال رغم أنه ثمرة من ثمار الفكرة الإصلاحية التي أيقظت الأمة وجهادها ضد الإحتلال صفقة تم القبول فيها من طرف المحتل كأخف الضررين، صفقة على حساب الإسلام وتراثه ومؤسساته وعلى حساب الغالبية العربية المسلمة التي ستنتهك هويتها وكرامتها، ثم على حساب الجزائر ووحدة المغرب العربي كما بشر بها ورسم استراتجية تحققها مكتب المغرب العربي في القاهرة الذي ضم كل الأحزاب المغاربية، وذلك على أساس حرب تحرير واحدة شاملة تؤسس للوحدة، وهي الإستراتيجية التي أقرتها كل قوى المجتمع المدني في تونس في مؤتمر ليلة القدر1949 إلا أن بورقيبة لمصلحة زعامته الشخصية ولارتباطاته المشبوهة[x] وتأثرا بمنزعه التغريبي الطاغي وبغضه للإسلام والمسلمين[xi] والعروبة وللمشرق جملة وتولهه بالنموذج الفرنسي وفق قراءته المتخلفة له، وتصميمه على الإنفراد بالزعامة وتهميش منافسيه أقدم على إبرام تلك الصفقة. ولذلك لم يكن عجبا أن يندفع في جموح منذ بواكير الإستقلال الى أداء الثمن المطلوب انتصارا لمشروع التحديث كما أراده المحتل والإجهاز بكل عنف وحسم وسرعة على المشروع الإصلاحي المقابل الذي كان قد حقق من النضج في جوانب كثيرة منه مثل التعليم الزيتوني الذي كان قد استوعب كل العلوم الحديثة على أرضية الثقافة العربية الاسلامية، ما جعل تونس مهيئة لتحديث أصيل يدعم الهوية ويجعلها أساسا متينا لتنمية مستقلة تردم الهوة بين السلطة والشعب وتعبئ طاقات الجماهي ربخطاب تعرفه ويملك وحده قدرة تحريك طاقاتها المعطلة لولا ما نكبت به من انبتات نخبوي اغترب بالدولة وسلطها سيفا مسلولا على المجتمع وقيمه ومؤسساته. وكان من النتائج المحتمة لهذا الإغتراب فشل مشاريع التنمية الإقتصادية بعد تبشير طويل بخيراتها المنتظرة كفشل التنمية السياسية ونكوصها عما وعدت به من حرية وحلم به الشعب منذ القرن الماضي من حكم القانون والدستور حكم الشعب على أنقاض حكم الفرد والحاشية، فخرج في ابريل1938 في مسيرات هادرة تحت الرصاص الحي هاتفا "برلمان تونسي" وهو الحلم الذي لم يزدنا نصف قرن من "الاستقلال" ومن التحديث المزيف إلا بعدا عنه، إذ لم تعرف "الانتخابات" التونسية بعد قرابة نصف قرن من الاستقلال والتحديث غير العنوان المميز للأنظمة الشمولية: التزييف المفضوح الذي تنطق به النسبة التي لا يخجل الرئيس وحزبه القائد من إعلانها في بلاهة واستبلاه للشعب منقطعي النظير 99،99، وهي الشهادة القاطعة على التخلف وكذب كل ادعاء انتساب هذا الحكم للحداثة، حتى أن "رجل التغيير" الذي سوغ انقلابه على رئيسه برفض الرئاسة المؤبدة التي اعتبرها غير لائقة بشعب متحضر وها هو يبحث عن مبرر لاستعادتها وقد استنفد عمره السياسي كرئيس للبلاد، حتى لم يبق من فرق بينهم وبين حكم أسلافهم من البايات غير الشعارات والعناوين بل كان أولئك أكثر تواضعا وأقرب الى ثقافة شعبهم، وأقل بهرجة وتكاليف وطنينا وجعجعة، ودعاوى فارغة في التحديث والحكم الجمهوري وحكم القانون وحقوق الانسان والديمقراطية.!!. الخ. بل إن فساد هولاء وحواشيهم أعاد قدرا من الإعتبار لحكم البايات بل حتى لحكم المستعمر الذي لم تمتلئ السجون في عهدهما ولا تضخمت أجهزة القمع والتأطير وتضييق أنفاس المواطن وخنقه كما هو الحال طوال عهد الاستقلال ولا سيما في عهد ما سمي بالجمهورية الثانية!!!
10-تاريخ الاستقلال هو تاريخ حرب الدولة على المجتمع: كان طبيعيا في مجتمع يتوفر على إرث مقدر من الاصلاح كان من ثماره الانتشار المبكر للتعليم والسبق الى انجاز تجارب نضالية في المجال السياسي والنقابي والتحرري عامة من أجل الكرامة والحرية والعدل والهوية والارتباط بجذوره الحضارية المشرقية أن يعبر عن رفضه لهذا النموذج الهجين من الحكم والتحديث، فتتالت على مسرح المقاومة مختلف أفراد الطيف السياسي من قوميين ولبراليين ويساريين ونقابيين وإسلاميين وكل منهم ركز سهامه على جانب من مظالم دولة الاستقلال: إلا أنهم اصطدموا جميعا بنفس الجدار: بدولة تأسست على رفض الآخر وقمعه في اتجاه استيعابه أو تهميشه أو الإجهاز عليه جملة بما يختصر الشعب في الدولة والحزب وهذين في الزعيم، على نحو يمكن معه تعريف تاريخ دولة الاستقلال بأنه تاريخ التصادم بين هذا النموذج للدولة وهو خليط من النموذج اليعقوبي الفرنسي والنموذج الفاشي وبعض مواريث دولة البايات وبين الشعب بمختلف تطلعاته الى الحرية والعدالة والهوية. وليس هذا التصادم في عمقه إلا استمرارا لتاريخ المقاومة مقاومة المستعمر ثم استبداد خلفائه من مناضلي الأمس الذين ورثوا فكره وحتى أجهزته فواصلوا المشوار[xii] سواء أكان بوعي ضمن صفقة الاستقلال التي عقدها بورقيبة أم من دون وعي. لقد حملت الدولة على عاتقها تأثرا بالنموذج اليعقوبي بدلا من تمثيل إرادة الشعب إعادة تشكيل هذه الإرادة كملحق من ملحقات اوروبا. ومن هنا لم يكن عجبا أن استهدفت قرارات دولة الاستقلال التفكيك الكامل لكل قيم ومؤسسات المجتمع التقليدي لشل مقاومته لمبضع الجراح التحديثي وفرض النموذج البديل عليه، ولأن الهجمة كانت مباغتة وقوية فقد ظهر المجتمع مستسلما بالكامل الأمر الذي أغراه بمواصلة عمله الإجهازي، إلا أن التجربة أثبتت في مواطن كثيرة أن هويات الشعوب أصلب وأعمق من أن يجتثها جهاز الدولة مهما كان عاتيا والظرف مناسبا. كل ما في الأمر تحصل حالة كمون وترقب وترصد في انتظار انكسار الهجوم واستيعابه من أجل مباشرة مقاومته بشكل هادئ ولكنه متصاعد وهذا هو الذي حصل على إثر صدمة انهيار المشروع التنموي ممثلا بتجربة التعاضد في نهاية الستينيات فقد استقر في عمق التونسي الشعور بالخديعة، خديعة الاستقلال والخطر على هويته والنقمة على الأثرياء الجدد وأفاد من الضربة القاسية التي وجهت لهيبة الدولة بانكشاف زيف وعودها التنموية لا سيما وقد رمز مرض رئيسها الى تصدع رمزها وظهور أمارات الشيخوخة والتشقق فكانت اللحظة مناسبة لولادة المشروع الإسلامي من رحم المجتمع على يد جيل جديد من الشباب تربى في عهد الاستقلال ومدرسته وامتلك أسلحة أمضى في مقاومة التغريب لم يكن يملكها أسلافه من الجيل السابق للحركة الإسلامية. كان مفهوما أيضا أن يكون هؤلاء الشباب منحدرين من مختلف فئات المجتمع فالمسألة مسألة هوية وليست مسألة طبقية. فظمأ المجتمع للهوية وشعوره بالخطر على دينه، على الأسرة هو الذي يفسر الإنتشار السريع لصحوة الإسلام بما جعل الطلب على الهوية قويا جدا. كما أن تمحور مضامين الصحوة حول الإستجابة لذلك الطلب نشرا للعقيدة وتدريبا على الشعائر وإشاعة لأخلاق الإسلام وقيمه وتقديم محاضن دافئة للشباب يتنفس فيها رائحة التقوى ويعيش أخوة الإسلام وقيم التضامن في مجتمع يشتد اتجاه تجرده منها لصالح قيم الاستهلاك.
11- الصحوة الإسلامية ولادة ونمو طبيعيان لا مؤامرة: إن تمركز الصحوة في عشريتها الأولى (السبعينيات) حول هذه المضامين العقدية الروحية الخلقية فلم تتناول قضايا الصراع السياسي والاجتماعي إلا تعريضا وليس تحريضا هو ما يفسر عدم التفات الدولة إليها وقد كانت منشغلة بصراعها مع تيارات اليسار ولا تتوفر ملفاتها على سوابق في الحرب ضد الحركات الإسلامية. فلقد اطمأنت الى أنها قد حسمت نهائيا مع الاسلام. فلم الحاجة إذن الى التفسير التآمري في نشأة التيار الإسلامي على أنه صنيعة الدولة اصطنعته لتحارب به اليسار؟ وبمجرد افتراض لا تسنده شهادة واحدة؟ إن التاريخ لا تصنعه المؤامرات والمكايد وإنما يصنع في رحم المجتمع كما تتخلق كل الكائنات ضمن عالم الأسباب، قد يكون الحكم أفاد ولو في وقت متأخر من الصراع بين التيارات السياسية والفكرية ولكن لا يصل الأمر الى حد الاصطناع فكل ما ليس طبيعيا ومهما بذل في استزراعه من عناية معرض دوما للذبول والتساقط فما يبقى ويزدهر في المجتمع غير ما يلبي حاجة من حاجاته. وعلى قدر تلك الحاجة يكون حجم الانتشار والدعم لذلك التيار. وهل في المجتمع التونسي ما هو أكثر أصالة من الإسلام؟ وهل الإسلام لم يتعرض مع الاستقلال ولا يزال للتحدي حتى في وجوده فكيف لا ينتظر منه دفاع وتستكثر عليه صحوة؟ ثم أوليست تونس جزء من عالم العروبة والإسلام فهل خلا بلد إسلامي من تحرك للإسلام ودعوة الى إحيائه والعمل للإنتقال به من الهامش الى مركز القيادة والتوجيه كما كان دائما؟ هل كل هذه الحركة الإجتماعية التي تقود الشارع العربي تصديا للطغيان ورفضا للهيمنة الدولية على أمتنا ولرياح العولمة الكاسحة وللمشروع الصهيوني هل كل ذلك مؤامرات مصطنعة تغذيها الحكومات بينما تيارات العلمنة والإلحاد وحزيباتها هي وحدها المواليد الشرعية في هذا الزمن العربي؟
12-اللقاء في الطريق مع تراث الاصلاح: نعم قد نشأ التيار الإسلامي لا يربطه إلا خيط رفيع جدا مع تراث الإصلاح التونسي وهي جريرة استراتيجية الاستقلال في قطع الأجيال الجديدة عن الإسلام ومن أجل ربطها بالغرب، ورغم أن الطلب على الإسلام كان محليا شعبيا إلا أن الإستجابة لم تكن تمتح مباشرة من تراث الإصلاح التونسي وإنما كانت تمتح من تراث الإصلاح المشرقي-وإن كان التواصل بينهما وثيق- كما تبلور في حركتي الإخوان والجماعة الإسلامية في شبه الجزيرة الهندية وهو ما أحدث في البداية نوعا من الجفوة بين الدعوة الجديدة وتراث التدين في البلد، فلقد نظرت الدعوة لنفسها في البدايات أنها تأسيس جديد للتدين على غير مثال تونسي سابق، وليست إصلاحا لما هو قائم بعضه القليل ظاهر ومعظمه مستكن، لكنها بأثر الإصدام مع الواقع أخذت تراجع نفسها وتعيد النظر في البضاعة المشرقية الوافدة ومدى ملاءمتها للبيئة وهي مزيج من التيار السلفي والإصلاحية الإخوانية تراجعها في علاقتها بالتدين التونسي وتيار التحديث وأفضت المراجعة الى أقلمة الوافد مع المحلي من تدين تقليدي ومن تيار تحديث ما أنتج معادلة وتركيبا جديدين لعلهما من خصوصيات التيار التونسي في الحركة الإسلامية المعاصرة حيث انتهى الأمر الى عملية استيعاب لقيم التحديث السياسي كالديمقراطية والاجتماعي كتحرير المرأة ومناصرة العمل النقابي[xiii] وذلك ضمن خيار الانحياز الى جمهور المستضعفين في صراعهم مع قوى الاستكبار وكذا الانحياز في الصراع الدولي الى قوى التحرر بقطع النظر عن مرجعياتها العقدية ضد قوى الهيمنة بقطع النظر عن خلفياتها الثقافية. وهذه المراجعة أوقفت الحركة من دون قصد منها على باب تراث مدرسة الإصلاح الذي كانت البورقيبية قد بذلت جهدها للاستيلاء عليه واحتكاره فلم تميزه الحركة عنها فتجهمت في وجهه حتى كان اللقاء المحتم في الطريق. لقاء حول جوهر المشروع وهو الدخول الى العصر بالإسلام من خلال إعادة التفكير في الإسلام في اتجاه استيعابه لخير ما في العصر وإدارة الحوار بينهما في اتجاه أن يثري كل منهما الآخر، على أن يحتفظ الإسلام بمقتضى صبغته الإلهية المتعالية باعتباره المرجع الأعلى لقيم الخير والشر والحق والباطل والحلال والحرام، وذلك ضمن منظور اجتهادي رحب يسع بل يرحب بكل ما فيه نفع ومصلحة للحياة والكون والانسان. ويؤسس لوحدة إنسانية سمحة تبسط العدل والمساواة والخير بين بني آدم على اختلاف ألوانهم ومللهم وأجناسهم وأحزابهم بما يجعل المبادئ العليا التي تأسست عليها إعلانات حقوق الانسان والقوانين الدولية وكل اكتشاف تقني نافع أو أسلوب في الانتاج صالح أو أسلوب في تنظيم العلاقات بين الدول وأصحاب العقائد المختلفة يدرأ التحارب أو يقرب التعاون ويبسط الحوار والسلم العادل بين الشعوب والحضارات ليس من شأنها وأمثالها إلا أن تجد الترحيب والتأييد والدعم ضمن هذا المنظور الاصلاحي.
13-اتساع المنظور الإصلاحي للحركة وسع الهوة بينهاوبين السلطة وقطاع من النخبة.لماذا؟ا لمتابع لتطور علاقة الحركة الإسلامية منذ نشأتها في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات وحتى يومنا هذا يلاحظ لأول وهلة مفارقة ملفتة تتمثل في أنه بينما ساد هذه العلاقة نوع من غض طرف السلطة نوعا ما خلال السبعينيات أخذت الهوة تزداد اتساعا مع مرور الزمن حتى أنها ما تكاد تشهد هدنة (بين صائفة 1984 وربيع 1987أو بين صائفة 1987حتى 1989) حتى تعود الحرب أشد استعارا في حين أنه من وجهة نظر مشروع التحديث الذي تقوم عليه الدولة بزعمها تبدو الحركة في السبعينيات أبعد ما تكون عن ذلك المشروع على الأقل في بعض جوانبه الاجتماعية مثل موضوع تحرير المرأة فلقد كان فكر الحركة في السبعينيات ينهل مباشرة من السلفية المشرقية في نظرتها المحافظة للمرأة وللعمل النقابي وللديمقراطية بينما منذ النصف الثاني من السبيعينيات شهدت هذه المحاور مراجعات جادة في اتجاه اللقاء بمشروع التحديث بمحاوره هذه. إلا أن ذلك لم يلاق الترحيب من الدولة بل التجهم والخوف وسن أسلحة الحرب وهو ما يعيد الى الأذهان قصة علاقة الاحتلال بمشروع الآصلاح الاسلامي عامة ومنها مشروع إصلاح جامع الزيتونة فلقد عمل كل ما وسعه لعرقلته من دون أن يحقق نجاحا فترك هذه المهمة لخلفائه من حزب بورقيبة لانجاز ما عجز عنه. وهكذا متابعة لسياسة المحتل في علاقته بالحركة الإصلاحية تجهمت الدولة في وجه الاصلاحيين الجدد لمّا بدأوا يخرجون من مواقف المحافظة والتقليد الى مواقع التحديث واللقاء الموضوعي مع دولته ونخبته. فكان من المفارقة أن تأتي أول حملة اعتقالات على إثر إعلان الحركة عن خروجها من الطور السري وتصميمها على العمل في إطار القانون وفق ما كان عنه رئيس الدولة، مصرحة بأنها تتبنى منظورا تعدديا لا يقصي أحدا وأنها ستقبل بحكم الشعب حتى لو كان الفائز الحزب الشيوعي. ولكن يبدو أن هؤلاء كانوا عقائديين أكثر منهم اصلاحييين إذ كان بغضهم للإسلام وأهله يربو عن تعلقهم بالديمقراطية وبحقوق المرأة ناهيك عن مسائل التنظيم الحديث للإدارة وأساليب الانتاج الاقتصادي فهي آخر ما يفكرون فيه. ومركز اهتمامهم منصب على إقصاء الإسلام واستلحاق هذه البلاد بأوروبا وإراحة البال والأذن والعين إن أمكن من مشهد المآذن والصيام والحجاب والحديث عن حلال وحرام والجنة والناروالحج والملائكة والأمة الربية والإسلامية.. فهذا هو جوهر التحديث وما تبقى فشعارات للتسويق: دليل ذلك أننا لما اقتربنا مما يسمونه تحديثالم نجد منهم إلا مزيدا من الجفاء والعداء. فهم إما حداثيون مزيفون أو عدميون أعداء لله ورسوله مصممون من أجل ذلك على حربنا ويرون أنه أيسر لهم أن نكون في مرمى سهاهمهم باعتبارنا أعداء لكل ما ناضلت وتناضل البشرية من أجله من حريات وحقوق للاإنسان ومساواة بين الجنسين وعدالة بين البشر وتعددية وخضوع لإرادة الأغلبية في حسم شؤون السياسة والحكم. ورغم ما تميزت به التجربة التونسية في الحركة الإسلامية من تأصيل لقاموس القيم الإنسانية المتعارفة من خلال اكتشافها في البنية الإسلامية وفي تراث المسلمين المتميز بمنظور توحيدي يستوعب في إطاره كل تعدد ديني وعرقي وحضاري بما جعل مدائن الاسلام في بغداد ودمشق وشيراز وقرطبة وإشبيلية وساراييفو واسطمبول والقيروان وغيرها فضاءات حضارية مفتوحة استهوت خيرة العقول والكفاءات من كل ملة، ومع جرأة حركة الاسلام في تونس في هذا التأصيل الذي سمح لها أن تعلن في جرأة خلال بيانها التأسيسي في 6 حزيران 1981 بتعددية كاملة لا تستثني أحدا بما في ذلك خصومها العقديين كالشيوعيين، ومع ما تأسس بينها وبين كل حركات المعارضة من علاقات حوار وتعاون على قاعدة الحريات خلال النصف الأول من الثمانيينات فقد ظلت اللائكيون من النخبة التونسية في عمومهم أقرب الى الانحياز الى دولة الاستبداد كلما حمى الصراع بينها وبين الحركة الاسلامية سريعة التصديق لدعاواها ضدها لتسويغ إقصائها واستئصالها، لا تكلف نفسها عناء التثبت في الملفات واستيعاب أدبيات هذه الحركة في سياق تطورها بل كثيرا ما نراها تتصيد كل شبهة وتقتطع أي جملة من نص لإدانة الحركة من دون بذل جهد لوضع الجملة في سياقها من النص ولوضع النص في سياقه التاريخي. وهو ما أورث قاعدة الحركة الإسلامية مرارة من هذا المنزع العدمي الذي ظل قطاع من النخبة التونسية يعامل به فصيلا وطنيا من فصائل المعارضة، تؤكد الدراسة العلمية لأدبياته اندراجه في سياق حركة الإصلاح والتحديث التي عرفتها تونس منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، كما يمكن أن تؤكد أنه التيار الفكري الوحيد في البلاد الذي قام بمراجعات نقدية جادة في المستوى السياسي الحركي وفي المستوى الفكري بما أسس لتطوره الفكري والسياسي الديمقراطي والاجتماعي على أرضيته الإسلامية وبما أفسح وجودا طبيعيا لقيم الحداثة الأصلية بينما نظراؤه من الحركات السياسية الأخرى لم يصدر عنهم نقد ذاتي ولا مراجعات فكرية مؤصلة بل نرى ليبرالييهم وماركسييهم قد اننتقلوا من عالم الحزب الواحد والدولة الشمولية الى عالم التعددية وحقوق الانسان والمجتمع المدني بل احتكروها لأنفسهم من دون أن يبينوا لنا جسور هذه النقلة الواسعة وحيثياتها الفلسفية كما فعلت بعض الماركسيات في اسبانيا وإيطاليا بل رأينا زعيم الحزب الشيوعي ينتقل من طور: الدين أفيون الشعوب الى ارتداء الجبة والشاشية والتوجه الى جامع الزيتونة ومن دون مقدمات. باب التوبة مفتوح ولا شك ولكن للتوبة شروطها ومنها مراجعة الماضي. فهل يعود هذا المنزع العدمي وهذه المفارقة لدى الدولة وقطاع من النخبة: أن العداء للحركة يزداد بقدر قربها أكثر من الحداثة ويغض الطرف عنها وعن أمثالها كالتبليغ وا | |
|
ismail_bouzid
عدد المساهمات : 7 تاريخ التسجيل : 15/01/2012
| موضوع: رد: مقال: الاتجاه الاسلامي في السياق التاريخي للمشروع الاصلاحي: الشيخ راشد الغنوشي الأحد يناير 15, 2012 12:07 am | |
| | |
|