ابن خلدون Admin
عدد المساهمات : 48 تاريخ التسجيل : 05/03/2011
| موضوع: يحق للعقيد القذافي ان يزعل، الياس خوري الثلاثاء مارس 15, 2011 2:18 pm | |
| يحق للعقيد ان يزعل الياس خوري يحق للقذافي وانجاله، وخصوصا الدكتور سيف الاسلام ان يزعلوا. فقائد الثورة الليبية انتقل طوعاً من دور الزعيم المعادي للغرب، الى دور المهرّج، الذي يثير ابتسامات زعماء العالم، ويعمل بلا كلل على خدمتهم. فلماذا تخلوا عنه؟ الثوري الشاب الذي حلم بأن يكون ناصر الجديد، تدرّج في معارج الزعامة، اعلن نفسه فيلسوفاً، صنع لوكربي ودفع ثمنها، وعندما رأى مصير صدّام حسين، تخلّى عن كل شيء. فكك محاولاته النووية، ركع واستركع، وتحوّل الى مجرد عارض ازياء للاثواب الافريقية، وصاحب الخيمة الشهيرة. لم يحتفظ من الكرامة سوى بمظاهر تثير السخرية والضحك، من حبه لحليب النوق والماعز، الى حارساته العذراوات، الى حكاية حبه لبرلوسكوني الذي قبّل يده، او لطوني بلير الذي صار وسيطه في العالم. حتى امام اسرائيل فقد انحنى الى ما لا نهاية، وبذا ادّى قسطه عبر نظرية اسراطين (عبر دمج كلمتي فلسطين واسرائيل)! وانتهى الأمر. رشا الجميع، من دكاترة العرب الى فلاسفة الغرب، ومن معاهد الدراسات العليا، حيث نال نجله ووريثه سيف الاسلام الدكتوراة من معهد لندن للاقتصاد، وهو احد اعرق الكليات في العالم، قبل ان يتبرع للمعهد بالمال، الى كلّ من ابدى اعجاباً بالكتاب الأخضر. يمكن للمراقب ان يعتبر عجز القذافي عن اقناع القراء بأنه كاتب قصة احدى نقاط فشله، لكنني لا اوافق على ذلك. كان فشل القذافي في هذا المجال حتمياً، ليس لأن الرجل بلا موهبة، بل لأن مواهبه لا تتسع لها الكلمات. فالرجل تفوّق على الخيال الأدبي كله. لقد عاش نزواته الى حدودها القصوى، مقدّما دليلا اضافياً على ان خيال الطغاة يستطيع في بعض الأحيان التفوق على خيال الأدباء! يحق للقذافي ان يزعل، ففي النص المسرحي الذي يرتجله يومياً، لا مكان للتراجيديا. الرجل كان ممثلاً كوميدياً، يمازح الحياة ويلهو بها. وكان ككل الكوميديين المحترفين يلعب دوره بجدّية شديدة، ولا يترك مجالاً لزملائه من زعماء العالم بالضحك عليه، لأنه رشا الكثيرين منهم، ومن لم يرتشِ وعد بأن موعد الرشوة صار قريباً. الممثل يلعب دوره بجدية، وجمهوره يتعامل معه بجدية مماثلة، اما الضحك فلا يتمّ الا في شكل سري. الممثل يضحك من سذاجة المتفرجين الذين صدّقوه، والمتفرجون يضحكون من سذاجة الممثل الذي صدّق نفسه! هذه هي شروط المسرحية القذافية. الجميع يضحك على الجميع، القابض يضحك على الدافع، والدافع يضحك على من يقبض منه. هزل بهزل، وشخصية عجيبة في بساطتها وتعقيداتها، فهذا الرجل لخّص في شخصه جميع اشكال الديكتاتورية، من قراقوش الى كاليغولا، ومن الحاكم بأمر الله الى موسوليني. يحق للقذافي ان يزعل، فالتراجيديا فاجأت المسرح الهزلي الذي بناه، توقّع كل شيء الا التراجيديا، فالرجل يحب اللعب، ويهوى الاستعراض، ويتمتع باثارة دهشة المتفرجين والمستمعين. وفي كل مرة زحطت به الأقدار الى التراجيديا، كان يسارع الى تحويلها كوميديا. من لوكربي الى مسرحية المقرحي، ومن الممرضات البلغاريات الى زوجة ساركوزي وهي تطلق سراحهم! القتل والدم والتعذيب والسجون والجريمة، هي كواليس المسرح الكوميدي الذي انشأه ملك ملوك افريقيا، لذا لا يجب ان تظهر تحت الضوء او ان يشار اليها. هنا، في هذه النقطة بالذات تفوّق العقيد على اقرانه العرب الآخرين. اخفى الجريمة في التهريج، ومحا الدم بالقهقهة. لذا يحق للعقيد ان يزعل اليوم. لقد فاجأه شباب ليبيا بالمظاهرات. لم يكن الديكتاتور يتوقع ان ينتفض احد ضده، فهو الترهيب والاضحاك وقد اجتمعا للمرة الأولى في التاريخ. الملك هو مهرج الملك، ولا حاجة الى مهرجين. لذا فوجىء الرجل بالثورة تعمّ الشوارع، وحين بدأ نظامه يتداعى، فوجىء بردة فعل الاعلام العالمي على جرائمه. حاول ان يقول انه يتابع لعبة المزاح، وكان فعلا يتابعها، فالعقيد قتل قبل ذلك شعبه بلا رحمة، ومع ذلك او ربما بسبب ذلك، والله اعلم، حظي بدعم الدول الغربية. كان البترول الليبي يغطي الدم، هكذا لعبها الملك-المهرج طوال اربعين عاماً، فماذا جرى اليوم، كي تتحول الكوميديا الى تراجيديا شخصية، وكي يتخلى عنه اخلص اصدقائه؟ الحق يقال ان المهرج الايطالي لم يتخلّ عن صديقه بسهولة، بل دافع عنه حتى لم يعد الدفاع ممكناً. لجأ العقيد الى الخطاب الرائج الذي اخترعه الغرب، انا او القاعدة، فلم يجد سوى آذان صماء. اصيب الغرب بالصمم، لا لأن اوروبا الغربية ومعها الولايات المتحدة اكتشفت فجأة فضائل تصدير الديموقراطية الى العالم العربي، بل لأن الثورة في العالم العربي، اكثر من جدية، ولم يعد من الممكن ايقافها. حسب العقيد كل الحسابات، تصرف كما يريده الغرب ان يتصرف، لكنه نسي عاملا صغيرا اسمه الشعب. فالرجل اعتقد انه اختصر الشعب بشخصه، وانه لعبها مزدوجة، هو الحاكم من دون منصب، والمحكوم من دون خوف من نفسه، هو السيد والعبد، الملك والمهرج. يحق للعقيد ان يزعل، لقد سقط قناع المهرج، ولم يبق سوى قناع السفّاح. لذا فقد قدرته على المناورة. يلغ في الدم ويدّعي الشجاعة، لكنه يعلم ان صديقا واحدا بقي الى جانبه، هو اسرائيل، وانه لا يستطيع ان يطلب اللجوء الى هناك. يحق للعقيد ان يزعل. تمسكه الأرعن بالسلطة وهو يتهاوى، هجوم كتائبه لاستعادة ما فقده من مدن ودساكر يملأ ليبيا بالدم والقهر والحزن، وبذا سوف تكون نهايته غالية الثمن، بحيث ينسى الناس ان الصفة الأساسية للديكتاتور الليبي انه كان مضحكا!
المصدر: القدس العربي 15 ـ 03 ـ 2011 | |
|